الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
مجموع فتاوى ورسائل المجلد التاسع محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وعليه نتوكل قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: كتاب التوحيد. لم يذكر في النسخ التي بأيدينا خطبة للكتاب من المؤلف، فإما أن تكون سقطت من النساخ وإما أن يكون المؤلف اكتفى بالترجمة لأنها عنوان على موضوع الكتاب وهو التوحيد، وقد ذكر المؤلف في هذه الترجمة عدة آيات. والكتاب بمعنى: مكتوب أي مكتوب بالقلم، أو بمعنى مجموع من قولهم: كتيبة وهي المجموع من الخيل. والتوحيد في اللغة: مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحدًا؛ فهو مصدر وحد يوحد؛ أي: جعل الشيء واحدًا. وفي الشرع: إفراد الله ـ سبحانه ـ بما يختص به من الربوبية والألوهية والسماء والصفات. * أقسامه: ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ توحيد الربوبية. 2ـ توحيد الألوهية. 3ـ توحيد الأسماء والصفات. وقد اجتمعت في قوله تعالى: * القسم الأول: توحيد الربوبية: هو إفراد الله - عز وجل - بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: ]. فهذا ليس خلقًا حقيقة، وليس إيجادًا بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضًا ليس شاملًا، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق. وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: وأما إفراد الله بالتدبير: فهوأن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده ومحصور بما أذن له فيه شرعًا. وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل كانوا مقرين به، قال تعالى: فلم يجحد أحد توحيد الربوبية، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك، إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده، قال تعالى حكاية عنه: وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون: إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر. وأيضًا فإن الظلمة بفرق ثالث، وهو: أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في الظلمة: هل هي قديمة، أومحدثة؟ على قولين. دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد: قال الله تعالى: وحينئذ إذا أرادا السلطان؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر، أويسيطر أحدهما على الآخر؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعًا؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربًا. القسم الثاني: توحيد الألوهيــة: ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين؛ فباعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة. وهو إفراد الله ـ عز وجل ـ بالعبادة. فالمستحق للعبادة هوالله تعالى، قال تعالى: والعبادة تطلق على شيئين: الأول: التعبد: بمعنى التذلل لله ـ عز وجل ـ بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيمًا. الثاني: المتعبد به؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة). مثال ذلك: الصلاة؛ ففعلها عبادة، وهوالتعبد، ونفس الصلاة عبادة، وهوالمتعبد به. فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبدًا لله وحده تفرده بالتذلل؛ محبة وتعظيمًا، وتعبده بما شرع، قال تعالى: إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهًا تعبده؛ فهوفي الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميمًا تدعوه وتعبده، وهوبحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا؛ فكيف يملكه لغيره؟! وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى: ومع هذا؛ فأتباع الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام: * تنبيه: من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية، وكأنما يخاطبون أقوامًا ينكرون وجود الرب ـ وإن كان يوجد من ينكر الرب ـ لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة!! ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون، ولا يعلمون. القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله ـ عز وجل ـ بما له من الأسماء والصفات. وهذا يتضمن شيئين: الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله ـ عز وجل ـ جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. الثاني: نفي المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلًا في أسمائه وصفاته؛ كما قال تعالى: وهذا القسم من التوحيد هوالذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل، ونفى الصفات زاعمًا أنه منزه لله، وقد ضل؛ لأن المنزه حقيقة هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلًا، فإذا قال: بأن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة؛ لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل؛ لأن الله يكرر ذلك في كلامه ويثبته، {سميع بصير}، {عزيز حكيم}، {غفور رحيم}، فإذا أثبته في كلامه وهوخال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله ـ عز وجل ـ ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعمًا بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا لأنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذ وصموه بالعيب والنقص؛ لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه. وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره؛ كما قيل: فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟! هذا أعظم ما يكون جناية في حق الله ـ عز وجل ـ وإن كان المعطوف أعظم جرمًا، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره. فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم. فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة، إلا أنه أخص من التكييف؛ فكل ممثل مكيف، ولا عكس، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة. ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات؛ لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه؛ لأن النفوس تنفرد من كلمة تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه. وحقيقة تأويلهم: التحريف: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح؛ فليس تأويلًا بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير. وإن لم يدل عليه دليل؛ فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف؛ قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة. وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنة منتسبون للسنة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف. وأيضًا الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم ففي كتبهم التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلل بعضًا، ويتناقض هو بنفسه. وقد نقل شارح (الطحاوية) عن الغزالى ـ وهو ممن بغل ذروة علم الكلام ـ كلامًا إذا قرأه الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم. وقال الرازي وهومن رؤسائهم: ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا** سوى أن جمعنا فيه قيل وقــالوا ثم قال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلًا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئنًا منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ فيثبت؛ إذا لا أحد أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبرًا من خبر الله، ولا أصح بيانًا من بيان الله؛ كما قال تعالى: فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته، أومن ليس له صفة أمر لا يتحقق أبدًا؛ فلابد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقًا. ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل؛ لأنه إذا كان عاجزًا عن تصور نفسه التي بين جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزًا عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ (لم) و(كيف) فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية. وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرًا، وهذه حال السف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبدالله ! أما في عصرنا الحاضر؛ فنجد من يقول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا؛ لأن الليل يمشي على جميع الأرض؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر، وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن؛ لبينه الله إما ابتداءً أوعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أويقيض من يسأله عنه فيجاب، كما سأل الصحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض؛ فأجابهم [البخاري: كتاب بدء الخلق / باب ما جاء في قول الله تعالى: (وهوالذي يبدأ الخلق).]. فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق الثلاثة. والجواب عن الإشكال في حديث النزول [البخاري: كتاب التهجد / باب الدعاء والصلاة آخر الليل، ومسلم: كتاب صلاة المسافر/ باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل]: أن يقال: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقيًا؛ فالنزول فيها محقق، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير أوالنصف، والله ـ عز وجل ـ ليس كمثله شيء، والحديث يدل على أن وقت النزول ينتهي بطلوع الفجر. وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنا، وأطعنا، واتبعنا، وأمنا؛ فهذه وظيفتنا لا نتجاوز القرآن والحديث. * * * وقول الله تعالى: * الآية الأولى قوله تعالى: قوله {إلا ليعبدون} استثناء مفرغ من أعم الأحوال؛ أي: ما خلقت الجن والإنس لأي شيء إلا للعبادة. واللام في قوله: {إلا ليعبدون} للتعليل، وهذا التعليل لبيان الحكمة من الخلق، وليس التعليل الملازم للمعلول؛ إذ لوكان كذلك للزم أن يكون الخلق كلهم عبادًا يتعبدون له، وليس الأمر كذلك، فهذه العلة غائية، وليست موجبة. فالعلة الغائية لبيان الغاية والمقصود من هذا الفعل، لكنها قد تقع، وقد لا تقع، مثل: بريت القلم لأكتب به؛ فقد تكتب، وقد لا تكتب. والعلة الموجبة معناها: أن المعلول مبني عليها؛ فلابد أن تقع، وتكون سابقة للمعلول، ولازمة له، مثل انكسر الزجاج لشدة الحر. قوله: {خلقت}؛ أي: أوجدت، وهذا الإيجاد مسبوق بتقدير، وأصل الخلق التقدير. قال الشاعر: قوله: {الجن}: هم عالم غيبي مخفي عنا، ولهذا جاءت المادة من الجيم والنون، وهما يدلان على الخفاء والاستتار، ومنه: الجَنة، والجِنة، والجُنة. قوله: {الإنس} سموا بذلك؛ لأنهم لا يعيشون بدون إيناس؛ فهم يأنس بعضهم ببعض، ويتحرك بعضهم إلى بعض. قوله: {إلا ليعبدون} فسر: إلا ليوحدون، وهذا حق، وفسر: بمعنى يتذللون لي بالطاعة فعلًا للمأمور، وتركًا للمحظور، ومن طاعته أن يوحد سبحانه وتعالى؛ فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس. ولهذا أعطى الله البشر عقولًا، وأرسل إليهم رسلًا، وأنزل عليهم كتبًا، ولوكان الغرض من خلقهم كالغرض من خلق البهائم؛ لضاعت الحكمة من إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لأنه في النهاية يكون كشجرة نبتت، ونمت، وتحطمت، ولهذا قال تعالى: وليست الحكمة من خلقهم نفع الله، ولهذا قال تعالى: وأما قوله تعالى: فهذا ليس إقراضًا لله سبحانه، بل هوغني عنه، لكنه سبحانه شبه معاملة عبده لـه بالقرض؛ لأنه لابد من وفائه، فكأنه التزام من الله سبحانه أن يوفي العامل أجر عمله كما يوفي المقترض من أقرضه. * * * وقوله تعالى: * الآية الثانية قوله تعالى: قوله {ولقد}: اللام موطأة لقسم مقدر، وقد: للتحقيق. وعليه؛ فالجملة مؤكدة بالقسم المقدر، واللام، وقد. قوله: {بعثنا}؛ أي: أخرجنا، وأرسلنا في كل أمة. والأمة هنا: الطائفة من الناس. وتطلق الأمة في القرآن على أربعة معان: أ ـ الطائفة: كما في هذه الآية. ب ـ الإمام، ومنه قوله تعالى: ج ـ الملة:ومنه قوله تعالى: د ـ الزمن: ومنه قوله تعالى: فكل أمة بعث فيها رسول من عهد نوح إلى عهد نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ. * والحكمة من إرسال الرسل: أ ـ إقامة الحجة: ب ـ الرحمة: لقوله تعالى: ج ـ بيان الطريق الموصل إلى الله تعالى؛ لأن الإنسان لا يعرف ما يجب لله على وجه التفصيل إلا عن طريق الرسل. قوله: وقيل: إنها مصدرية على تقدير الباء؛ أي: بأن اعبدوا، والراجح: الأول؛ لعدم التقدير. قوله: قوله: {واجتنبوا الطاغوت} أي: ابتعدوا عنه بأن تكونوا في جانب، وهوفي جانب، والطاغوت: مشتق من الطغيان، وهو صفة مشبهة، والطغيان: مجاوزة الحد؛ كما في قوله تعالى: وأجمع ما قيل في تعريفه هوما ذكره ابن القيم رحمه الله بأنه: (ما تجاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع). ومراده من طان راضيًا بذلك، أو يقال: هو طاغوت باعتبار عابده، وتابعه، ومطيعه، لأنه تجاوز به حده حيث نزله فوق منزلته التي جعلها الله له، فتكون عبادته لهذا المعبود، واتباعه لمتبوعه، وطاعته لمطاعه طغيانًا لمجاوزته الحد بذلك. فالمتبرع مثل: الكهان، والسحرة، وعلماء السوء. والمبعود مثل: الأصنام. والمطاع مثل: الأمراء الخارجين عن طاعة الله، فإذا اتخذهم الإنسان أربابًا يحل ما حرم الله من أجل تحليلهم له، ويحرم ما أحل الله من أجل تحريمهم له؛ فهؤلاء طواغيت، والفاعل تابع للطاغوت، قال تعالى: ودلالة الآية على التوحيد: أن الأصنام من الطواغيت التي تعبد من دون الله. والتوحيد لا يتم إلا بركنين، هما: 1 ـ الإثبات. 2 ـ النفي. إذ النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع المشاركة. مثال ذلك: زيد قائم، يدل على ثبوت القيام لزيد، لكن لا يدل على انفراده به. ولم يقم أحد، هذا نفي محض. ولم يقم إلا زيد، هذا توحيد له بالقيام؛ لأنه اشتمل على إثبات ونفي. قوله: (الآية) أي: إلى آخر الآية، وتقرأ بالنصب؛ إما على أنها مفعول به لفعل محذوف تقديره أكمل الآية، أو أنها منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلى آخر الآية. ووجه الاستشهاد بهذه الآية لكتاب التوحيد: أنها دالة على إجماع الرسل وقوله تعالى: عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد، وأنهم أرسلوا به؛ لقوله تعالى: * * * * الآية الثالثة قوله تعالى: قوله: (قضى) قضاء الله ـ عز وجل ـ ينقسم إلى قسمين: 1 ـ قضاء شرعي. 2ـ قضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يجوز وقوعه من المقضي عليه وعدمه، ولا يكون إلا فيما يحبه الله. مثال ذلك: هذه الآية: والقضاء الكوني: لابد من وقوعه، ويكون فيما أحبه الله، وفيما لا يحبه. مثال ذلك: قوله تعالى: قوله: (أن لا تعبدوا). (أن) هنا مصدرية بدليل حذف النون من تعبدوا، والاستثناء هنا مفرغ؛ لأن الفعل لم يأخذ مفعوله؛ فمفعوله ما بعد إلا. قوله: (إلا إياه) ضمير نصب منفصل واجب الانفصال؛ لأن المتصل لا يقع بعد إلا، قال ابن مالك: * إشكال وجوابه: إذا قيل: ثبت أن الله قضى كونًا ما لا يحبه؛ فكيف يقضي الله ما لا يحبه؟ فالجواب: أن المحبوب قسمان: 1 ـ محبوب لذاته. 2 ـ محبوب لغيره. فالمحبوب لغيره قد يكون مكروهًا لذاته، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة؛ فيكون حينئذ محبوبًا من وجه، مكروهًا من وجه آخر. مثال ذلك: الفساد في الأرض من بني إسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله؛ لأن الله لا يحب الفساد، ولا المفسدين، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوبًا إلى الله ـ عز وجل ـ من وجه آخر. ومن ذلك: القحط، والجدب، والمرض، والفقر، لأن الله رحيم لا يحب أن يؤذي عباده بشيء من ذلك، بل يريد بعباده اليسر، لكن يقدره للحكم المترتبة عليه؛ فيكون محبوبًا إلى الله من وجه، مكروهًا من وجه آخر. قال الله تعالى: فإن قيل: كيف يتصور أن يكون الشيء محبوبًا من وجه مكروهًا من وجه آخر؟ فيقال: هذا الإنسان المريض يعطي جرعة من الدواء مرة كريهة الرائحة واللون، فيشربها، وهويكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة، ويحبها لما فيها من الشفاء، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار، ويتألم منها؛ فهذا الألم مكروه له من وجه، محبوب من وجه آخر. فإن قيل: لماذا لم يكون قوله أجيب: بأنه لا يمكن؛ إذ لوكان قضاء قدريًا لعبد الناس كلهم ربهم، لكنه قضاء شرعي قد يقع وقد لا يقع. والخطاب في الآية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن قال: أجيب: إن الفائدة من ذلك: 1 ـ التنبيه؛ إذ تنبيه المخاطب أمر مطلوب للمتكلم، وهذا حاصل هنا بتغيير الأسلوب. 2 ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زعيم أمته، والخطاب الموجه إليه موجه لجميع الأمة. 3 ـ الإشارة إلى أن ما خوطب به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو له ولأمته؛ إلا ما دل الدليل على أنه مختص به. 4 ـ وفي هذه الآية خاصة الإشارة إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مربوب لا رب، عابد لا معبود؛ فهو داخل في قوله: (تعبدوا)، وكفى به شرفًا أن يكون عبدًا لله ـ عز وجل ـ ولهذا يصفه الله تعالى بالعبودية في أعلى مقاماته؛ فقال في مقام التحدي والدفاع عنه: * أقسام العبودية: تنقسم العبودية إلى ثلاثة أقسام: 1ـ عامة، وهي عبودية الربوبية، وهي لكل الخلق، قال تعالى: 2ـ عبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة العامة، قال تعالى: 3ـ خاصة الخاصة، وهي عبودية الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى عن نوح: فهذه العبودية المضافة إلى الرسل خاصة الخاصة؛ لأنه لا يباري أحد هؤلاء الرسل في العبودية. قوله: والوالدان: يشمل الأم، والأب، ومن فوقهما، لكنه في الأم والأب أبلغ، وكلما قربا منك كانا أولى بالإحسان، والإحسان بذل المعروف، وفي قوله: فإن قيل: فأين حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ أجيب: بأن حق الله متضمن لحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الله لا يعبد إلا بما شرع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقوله تعالى: وقوله: قوله: والشاهد من هذه الآية: قوله تعالى: * * * * الآية الرابعة قوله تعالى: وقوله: {واعبدوا} في مقابل {إلا الله}؛ لأنها إثبات. وقوله: {شيئًا} نكرة في سياق النهي؛ فتعم كل شيء: لا نبيًا، ولا ملكًا، ولا وليًا، بل ولا أمرًا من أمور الدنيا؛ فلا تجعل الدنيا شريكًا مع الله، والإنسان إذا كان همه الدنيا كان عابدًا لها؛ كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: قوله: وذو القربى هم من يجتمعون بالشخص في الجد الرابع؟ واليتامى: جمع يتيم، وهو الذي مات أبوه، ولم يبلغ. والمساكين: هم الذين عدموا المال فأسكنهم الفقر. وابن السبيل: هوالمسافر الذي انقطعت به النفقة. قوله: قوله: {والصاحب بالجنب} [النساء: 36]، قيل: إنه الزوجة، وقيل: صاحبك في السفر؛ لأنه يكون إلى حنبك، ولكل منهما حق؛ فالآية صالحة لهما. قوله: قوله: المختال: في هيئته. والفخور: في قوله، والله لا يحب هذا ولا هذا. * * * وقوله تعالى: * الآية الخامسة إلى السابعة قوله تعالى: الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره الله أن يقول للناس: (تعالوا)؛ أي أقبلوا، وهلموا، وأصله من العلو كأن المنادي يناديك أن تعلوإلى مكانه، فيقول: تعالى؛ أي أرتفع إلي. وقوله: (أتل) بالجزم جوابًا للأمر في قوله: (تعالوا). وقوله: وقال: (ربكم) ولم يقل: ما حرم الله؛ لأن الرب هنا أنسب، حيث إن الرب له مطلق التصرف في المربوب، والحكم عليه بما تقتضيه حكمته. قوله: {ألا تشركوا} أن تفسيرية، تفسر قوله: قوله: والأولاد في اللغة العربية: يشمل الذكر والأنثى، قال تعالى: قوله: {من إملاق}، الإملاق: الفقر، و{من} للسببية والتعليل؛ إي: بسبب الإملاق. قوله: وبدأ هنا برزق الوالدين، وفي سورة الإسراء بدأ برزق الأولاد، والحكمة في ذلك أنه قال هنا: (من إملاق)؛ فالإملاق حاصل، فبدأ بذكر الوالدين الذين أملقا، وهناك قال: {خشية إملاق} [الإسراء:31]؛ فهما غنيان، لكن يخشيان الفقر، فبدأ برزق الأولاد قبل رزق الوالدين. وتقييد النهي عن قتل الأولاد بخشية الإملاق بناءً على واقع المشركين غالبًا؛ فلا مفهوم له. قوله: قوله: وقيل: ما أظهرتموه، وما أسررتموه؛ فالإظهار: فعل الزنا ـ والعياذ بالله ـ مجاهرة، والإبطان فعله سرًا. وقيل: ما عظم فحشه، وما كان دون ذلك؛ لأن الفواحش ليست على حد سواء، ولهذا جاء في الحديث: قوله: والحق: ما أثبته الشرع. والباطل: ما نفاه الشرع. فمن الحق الذي أثبته الشرع في قتل النفس المعصومة أن يزني المحصن فيرجم حتى يموت، أويقتل مكافئه، أويخرج عن الجماعة، أويقطع الطريق؛ فإنه يقتل، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقال هناك: وقوله: قوله: {تعقلون}، العقل هنا: حسن التصرف، وأما في قوله تعالى: وفي هذا دليل على أن هذه الأمور إذا التزم بها الإنسان؛ فهو عاقل رشيد، وإذا خالفها؛ فهوسفيه ليس بعاقل. وقد تضمنت هذه الآية خمس وصايا: الأول: توحيد الله. الثانية: الإحسان بالوالدين. الثالثة: أن لا نقتل أولادنا. الرابعة: أن لا نقرب الفواحش. الخامسة: أن لا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. قوله: والحسن هنا يشمل: الحسن الدنيوي، والحسن الديني، فإذا لاح تصرفان أحدهما أكثر ربحًا وفيه ربًا، والآخر أقل ربحًا وهوأسلم من الربا؛ فنقدم الأخير؛ لأن الحسن الشرعي مقدم على الحسن الدنيوي المادي. قوله: أي: إذا بلغ أشده؛ فإننا ندفعه إليه بعد أن نختبره، وننظر في حسن تصرفه، ولا يجوز لنا أن نبقيه عندنا. ومعنى أشده: قوته العقلية والبدنية، والخطاب هنا لأولياء اليتامى أوللحاكم على قول بعض أهل العلم، وبلوغ الأشد يختلف، والمراد به هنا الأشد الذي يكون به التكليف، وهوتمام خمس عشرة سنة، أوإنبات العانة أوالإنزال. قوله: وأوفوا الميزان: إذا وزنتم فيما يوزن؛ كاللحوم مثلًا. والأمر بالإيفاء شامل لجميع ما تتعامل به مع غيرك؛ فيجب عليك أن توفي بالكيل والوزن وغيرهما في التعامل. قوله: (بالقسط)، أي: بالعدل، ولما كان قوله: (بالقسط) قد يشق بعض الأحيان؛ لأن الإنسان قد يفوته أن يوفي الكيل أو الوزن أحيانًا، أعقب ذلك بقوله: قوله: قوله: {و لوكان ذا قربى}، أي المقول له ذا قرابة؛ أي: صاحب قرابة؛ فلا تحابيه لقرابته، فتميل معه على غيره من أجله؛ فاجعل أمرك إلى الله ـ عز وجل ـ الذي خلقك، وأمرك بهذا وإليه سترجع، ويسألك ـ عز وجل ـ ماذا فعلت في هذه الأمانة. وقد أقسم أشرف الخلق، وسيد ولد آدم، وأعدل البشر؛ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: قوله: قوله: الأولى: أن لا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. الثانية: أن نوفي الكيل والميزان بالقسط. الثالثة: أن نعدل إذا قلنا. الرابعة: أن نوفي بعهد الله. والآية الأولى فيها خمس وصايا. صار الجميع تسع وصايا. ثم قال عز وجل: والصراط يضاف إلى الله ـ عز وجل ـ ويضاف إلى سالكه؛ ففي قوله تعالى: قوله: (مستقيمًا)، هذه حال من (صراط)؛ أي: حال كونه مستقيمًا لا اعوجاج فيه فاتبعوه. قوله: وتفرق: فعل مضارع منصوب بأن بعد فاء السببية، لكن حذفت منه تاء المضارعة، وأصلها: (تتفرق)، أي أنكم إذا اتبعتم السبل تفرقت بكم عن سبيله، وتشتت بكم الأهواء وبعدت. قال ابن مسعود: (من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي عليها خاتمه؛ فليقرأ قوله تعالى: وهنا قال: {السبل}: جمع سبيل، وفي الطريق التي أضافها الله إلى نفسه قال: {سبيله} سبيل واحد؛ لأن سبيل الله ـ عز وجل ـ واحد، وأما ما عداه؛ فسبل متعددة، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقوله:
* * * * قوله: قال ابن مسعود: (من أراد...) إلخ. الاستفهام هنا للحث والتشويق، واللام في قوله: (فليقرأ) للإرشاد. قوله: (وصية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ)، أي: رسول الله محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا التعبير من ابن مسعود يدل على جواز مثله، مثل: قال محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووصية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا ينافي قوله تعالى: قوله: (التي عليها خاتمه)، الخاتم بمعنى التوقيع. وقوله: فلا يظن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوصى بهذه الآيات وصية خاصة مكتوبة، لكن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كله؛ فكأنها الوصية التي ختم عليها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبقاها لأمته. وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه)؛ قال: وهي آيات عظيمة، إذا تدبرها الإنسان وعمل بها؛ حصلت له الأوصاف الثلاثة الكاملة: العقل، والتذكر، والتقوى. وقوله: (فليقرأ قوله تعالى ...) إلخ الآيات سبق الكلام عليها. * * *
|